علوم البرمجة وتأمين صعود الاقتصاد الموريتاني2

سبت, 03/05/2025 - 10:14

من التلقي السلبي إلى الريادة الرقمية
لم تعد البرمجة مجرد حقل معرفي يخص النخبة التقنية، بل أصبحت واحدة من أهم أدوات التحرر الاقتصادي والتحول الاجتماعي في القرن الحادي والعشرين. وفي السياق الموريتاني، تفرض التحديات الاقتصادية، والبطالة الشبابية، وضعف الإنتاج الوطني، إعادة التفكير في أسس التنمية، وجعل علوم البرمجة في قلب هذه الاستراتيجية.
إن استمرار موريتانيا في موقعها كمستهلك للتقنيات وزبون دائم للأسواق الرقمية الخارجية، هو تكريس للتبعية الاقتصادية في صورتها الجديدة. والمفارقة أن أبواب هذا السوق المعولم لم تعد مغلقة: فبمجرد حاسوب واتصال بالإنترنت، يمكن لشاب موريتاني أن يصنع منتجاته، ويقدم خدماته، ويشارك في اقتصاد العالم الحديث.
البرمجة: مدخل إلى التمكين الاقتصادي الحقيقي
في خضم الأزمات الاقتصادية العالمية، والاعتماد المتزايد على الحلول الرقمية، تبرز البرمجة كأحد الحلول المحلية الممكنة لتجاوز الجمود الاقتصادي. فالبرمجيات ليست فقط أدوات تشغيل، بل هي منتجات قابلة للتسويق، بلغة عالمية، وبتكلفة تطوير أقل من الصناعات التقليدية. هذه الميزة تعني ببساطة أن شابا من نواكشوط أو كيفه أو أطار، يستطيع إن وفرت له بيئة مناسبة أن يصمم نظاما محاسبيا للمؤسسات، أو تطبيقا زراعيا ذكيا، أو منصة تعليمية تخدم آلاف المستخدمين.
إن البرمجة تعيد تشكيل العلاقة بين الشباب وسوق العمل فلم يعد الشاب ينتظر وظيفة، بل أصبح قادرا على صناعة الفرصة بنفسه، وتحويل معرفته إلى مصدر دخل مستدام.
ما الذي ينقص موريتانيا لتنهض رقميا؟
لا تنقصنا العقول، ولا الحماسة. ما ينقصنا هو:
1.    رؤية وطنية واضحة تجعل من البرمجة جزءا من مشروع الدولة التنموي، تماما كما أصبحت الطاقة الشمسية جزءا من الاستراتيجية الطاقوية.
2.    إصلاح التعليم التقني والمعلوماتي، بحيث يدمج تعليم البرمجة والرياضيات المنطقية منذ مراحل مبكرة، مع ربطها بسوق العمل الواقعي.
3.    استثمارات ذكية من القطاعين العام والخاص، في الحاضنات التكنولوجية، وفي تمويل المشاريع الرقمية الناشئة.
4.    تشجيع ثقافة الإنتاج الرقمي بدل ثقافة الاستهلاك السلبي.
أمثلة ملهمة من العالم النامي
انظر إلى بلدان مثل رواندا، حيث أصبحت البرمجة ركيزة للنهضة التعليمية والاقتصادية. فبعد أن كانت تعاني من ضعف البنية التحتية والكوادر، استثمرت في التعليم الرقمي، وأطلقت شراكات مع شركات عالمية، وأنتجت جيلا رقميا يساهم في السوق العالمي.
ولم لا تكون موريتانيا ضمن هذه النماذج؟ لدينا طلاب يتقنون اللغات، ويملكون فضولا تكنولوجيا، ويعيشون في مجتمع بحاجة ماسة إلى حلول رقمية في الزراعة، والصحة، والتعليم، والإدارة.
نحو مجتمع رقمي منتج
التحول الرقمي لا يعني فقط استخدام الحواسيب أو الانترنت، بل يعني تغيير البنية العقلية والفكرية للمجتمع: أن نعلم أبناءنا كيف يفكرون كمصممين، لا كمستخدمين فقط. أن نغرس فيهم عقلية التحليل والتجريب والتطوير. أن نخلق في كل حي موريتاني نقطة ضوء رقمية، تقود جيلا لا يخاف من البرمجة، بل يصنع بها مستقبله.
دعوة مفتوحة لصناع القرار
ندعو من هذا المنبر كافة صناع القرار في الدولة، والقطاع الخاص، والمؤسسات التربوية، إلى إدراك اللحظة التاريخية التي نعيشها، والرهان الحقيقي الكامن في علوم البرمجة.
نريد أن نرى مركزا وطنيا لتعليم البرمجة للأطفال والمراهقين.
نريد مسابقات وطنية منتظمة في الذكاء الاصطناعي والتطبيقات.
نريد أن تصبح البرمجة جزءا من هوية الجيل الجديد، كما كانت الزراعة والصيد في هوية الأجيال السابقة.
إذا أردنا أن نأمن مستقبل موريتانيا، فعلينا أن نراهن على العقول، لا الموارد الطبيعية وحدها. وأن نؤمن بأن الحاسوب بيد شاب مبدع، قد يكون أقوى من حقل غاز، إذا استثمر بالشكل الصحيح.
البرمجة ليست ترفا، إنها أداة سيادية.

 

أحمد المختار ولد اعبيدي