
هذه هي المرة الأولى في موريتانيا التي يثير فيها استخدام جذع شجرة مقطوعة ردود فعل بهذا الحجم، جلُّها يستنكر الحدث. ولم يغب كاتبُ هذه الحروف عن موكب المستائين من المشهد. لكن ردة الفعل التي ربما لم تكن منتظرة جاءت من الدولة؛ وحسناً فعلتْ، حيث اتخذ ردها شكل بيان رسمي جاء على لسان الوزارة المعنية.
ولأن هذا التصرف غير مسبوق، فلا شك أنه سيقابل بصورة متباينة: سيجد فيه البعض مدعاة للشك أولعدم الرضى، بينما سيتعامل معه آخرون بإيجابية. وأنا من الصنف الاخير.
رسالةٌ بيداغوجية متعددة المصادر.. وقويةٌ
شخصيا ألاحظ أن بيان وزارة البيئة والتنمية المستدامة كان موفقا إلى حد كبير. لم يترك الفرصة تمر دون تذكير الناس بضرورة احترام الوسط البيئي وبأن الدولة ملتزمة بهذا الأمر ولديها الوسائل والآليات الكفيلة بتحقيقه. فكان تفاعلها بَناءً مع ردود فعل المستائين: بادرتْ السلطات "بفتح تحقيق للتأكد من عدم حدوث أي انتهاكات بيئية" إلى أن وُفِّقت في مسعاها. وبثتْ على نطاق واسع نتائج ما توصلتْ إليه، محذرةً وداعية إلى التحلي بالمسؤولية البيئية فيما يعني "الحفاظ على الغطاء النباتي للبلاد"، ومذكرةً بأهم النصوص القانونية الوطنية في هذا المجال.
ونتج عن التحقيق بيانٌ آخر صدر عن صانعي المشهد يحمل رسالة مماثلة: الحث على الحفاظ على الوسط البيئي. حيث أكدوا في بيانهم "أن حماية البيئة والغطاء النباتي هدف أساسي من أهداف المهرجان التي نص عليها ميثاقه الأول".
الرمزية في تعليمات أبي بكر الصديق..
أضاف منظمو المهرجان أن "الجذع المذكور سبق وأن استؤصل بسبب عاصفة رملية في محيط موقع المهرجان، وقد استخدموه مستحضرين ما للجذع من رمزية في الثقافة الإسلامية والتراث المحلي..."
إلا أن "رمزية الجذع في الثقافة الإسلامية والتراث المحلي"، كمبرر لعرضه كمنصة للمتكلمين، كان من الممكن توظيف هذه الرمزية في الدعوة والحث على احترام الغطاء النباتي: لماذا مثلا- وهذا غير مانع لما استخدموه فيه- لا يعلقون عليه لافتة تحمل وصية أبي بكر، رضي الله عنه، البيئية لجيشه:
" لا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة."
ومن المعلوم اليوم ان الأشجار كلها مثمرة: ترطِّب الجو، تساهم في مكافحة التغير المناخي، وفي هطول الأمطار...إلخ. بينما مخلفاتها الميتة (الجذوع، الأوراق، الأعراش) تطلق كميات لا يستهان بها من الغازات الدفيئة.
على كل حال تصرفهم أعطى فرصة غير مسبوقة لنشر وبث رسائل مثمرة لإرساء وتعزيز روح المواطنة البيئية. حتى وإن لم تكن هي القصد من كل ما أثاره الحدث من جدل، فربَّ ضارةٍ نافعة.
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)