بعد ثلاث سنوات من معجزة " شبو"، أين نحن من الاستجابة للكوارث؟

أحد, 24/08/2025 - 01:28

مرتْ ببالي هواجس خوف، وأنا أتابع عن بعد مشاهدَ، عبر الصور والفيديوهات، خسائر وأضرارٍ يتعرض لها الناس في بعض مناطق الوطن على أثر السيول في موسم الامطار الحالي. وتذكرتُ خواطر سابقة دفعتْ بي حينها إلى التأمل في عملية إنقاذ الشاب " شبوّ" في نهاية شهر يونيو عام 2022 عندما بقي عالقا في بومديد لساعات طويلة جدا وسط سيول جارفة كادت أن تقضي على حياته لولا تدخل من القوات الجوية والحماية المدنية لا مبالغة في وصفه بالمعجزة.

كتبتُ آنذاك ورقة حول الموضوع، ركزتُ فيها على ضرورة تحسين آليات الإنقاذ الجوي. ولستُ أدري كم شوطا قطعنا في هذا المنحى منذ ذلك التاريخ. بينما مشاهد أضرار موسم الأمطار الحالي تلفتُ انتباهي من جديد إلى الأضرار المادية، خاصة تلك التي تصيب الطرق ، علما أنها تتكرر كل سنة بشكل أو بآخر.

 فهل ستكون التجارب الحالية نقطة انطلاق جديدة لوضع استراتيجية وطنية فعالة لبناء قدرات استجابة للكوارث؟ وإلى أيِّ حد ساهمتْ-أو ستساهم- فيها الدروس المستوحاة من عملية انقاذ " شابو"، بما فيها عناصر التأمل التالية التي حاولتُ صياغتها باللغة الفرنسية منذ ما يزيد قليلاً عن ثلاث سنوات:

"عملية إنقاذ ناجحة بالهليكوبتر.. وننتظر المزيد...[i]

لقد تمكنتْ منذ ساعات قواتنا الدفاعية والأمنية من إنجاز عملية إنقاذ ناجحة غير مسبوقة في البلد عبر الرافعة الجوية بواسطة الهليكوبتر، أنقذت بفضلها طفلاً كان مهدداً بالغرق في بومديد. وبهذه المناسبة تعرّف المواطنون على هذا الأسلوب من الإنقاذ لأول مرة، وغمرتْهم مشاعر الفرح والفخر. فهنيئا للجميع: من قام بالعملية أو شارك فيها وكذلك من تعاطفوا معهم بإيجابية وحماس.

في بلدان أخرى، يُعتبر هذا النوع من العمليات أمرًا عاديًا، بل عملا مألوفا وروتينيا، كما يظهر من الصور والتقارير التلفزيونية التي تمر على شاشاتنا، خاصة في هذه الأيام.

من أجل استراتيجية إنقاذٍ جويٍ واستراتيجية وسائل...

لكن في بلدنا، تُعدّ إنجازاً استثنائياً. وهذا ما يجب أن يتغير: ينبغي أن نعتاد على عمليات الإنقاذ بالرافعة الجوية بواسطة الهليكوبتر وغيرها من الأساليب الحديثة. ولن يتحقق ذلك إلا بتوفير الوسائل المادية والبشرية، والأهم من ذلك التكوين والإعلام.

صحيح أن امتلاك طائرة مروحية في حد ذاته كان إنجازاً عسكريا كبيرا عندنا. فقد انتظرنا أكثر من عشرين سنة بعد الاستقلال لاقتناء أول طائرة من هذا النوع: "الآباء المؤسسون" لم يعتبروها أولوية استراتيجية، رغم أنهم خاضوا حرباً مثيرة للجدل في الصحراء الغربية. فقد اقتنينا مروحياتنا الأولى في عهد معاوية ولد سيد احمد الطائع، أي: بعد انتهاء تلك الحرب بسنوات عديدة.

الآن وقد أصبحنا نمتلكها، يجب أن نُجيد استخدامها وأن يكون للدفاع المدني طائراته الخاصة. في انتظار ذلك وتمهيدا له، يجب تجهيز أفراده وتدريبهم على تنفيذ مثل هذه العمليات التي لا تخلو من المخاطر. كم من مرة تحولت فيها عملية إنقاذ بالهليكوبتر إلى فشل ذريع!

خلال موسم الأمطار، فمن الحكمة – من الناحية العملياتية – إعادة نشر وسائل التدخل داخل أو قرب المناطق المعرّضة للخطر. وإذا تعذّر، كما هو الحال، توزيع المروحيات على كل المدن والولايات، يمكن على الأقل وضع ما توفَّر في مواقع استراتيجية، حيث ينصبُّ التركيز على أكثر المناطق عرضةً للفيضانات: على سبيل المثال، تبدو نواكشوط، كيفه، كيهيدي، روصو، أطار... من بين المدن الأنسب لاحتضان وسائل التدخل السريع ذات الطابع الجهوي.

وينبغي ألَّا ينسينا نجاح عملية الإنقاذ في بومديد المخاطرَ التي ينطوي عليها هذا النوع من التدخلات الدقيقة جدا.  وحدها التدريبات المتواصلة وجودة المعدات والآليات هي التي تقلل من احتمالات الفشل أو وقوع الحوادث المأساوية. لذا، على القوات الجوية ومصالح الحماية المدنية أن تنخرط في هذا المسار، ويؤسسوا تعاونا بشكل رسمي عبر اتفاقيات بينهم.

وعند ما تقام منظومات الإنقاذ (الاتفاقيات، المعدات: نشرها، نوعها...)، فإن الإعلان عنها يساعد على تنفيذها، ويعزز فرص النجاح. لأن الإنسان المطلع جيدًا يتعاون بشكل أفضل مع ما يتعلق بسلامته وسلامة مواطنيه.

لنتدارك تأخرَنا...

قطعتْ الدول المجاورة أشواطا هامة في مجال الحماية المدنية ومنظومات الإنقاذ.

في السنغال، يوجد تعاون مثمر قائم بين الحماية المدنية، مع قوات الدفاع والأمن، ويلاقي ترحيباً شعبياً كبيراً عند الحاجة. أما في المغرب والجزائر وتونس، فمصالح الحماية المدنية لديها وسائل جوية خاصة بها، تشمل أساطيل متنوعة حسب الحاجة والإمكانات: مروحيات، طائرات "كانادير" خاصة بمكافحة الحرائق، طائرات استطلاع…

فلنستلهم من تجارب جيراننا، شمالاً وجنوباً:

في مرحلة أولى، نؤسس لاستراتيجيات تعاون جيدة بين الأجهزة المعنية (الحماية المدنية وقوات الدفاع والامن) ونوفر لها التجهيزات الأساسية (سترات نجاة، أجهزة رفع جوي…).
في مرحلة ثانية، نضع استراتيجية لتوفير الوسائل الجوية والتقنيات الضرورية التي تمكّن رجال ونساء الحماية المدنية من أداء مهامهم كما ينبغي.

 وفي هذا السبيل ينبغي استثمار جزء من الموارد المالية المنتظرة من استغلال الغاز.

عقيد (متقاعد) البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)