
تشهد الساحة السياسية الموريتانية حراكاً متصاعداً استعداداً لانطلاق الحوار الوطني المرتقب، وسط تأكيدات من مختلف الأطراف على ضرورة أن يكون الحوار جاداً، شاملاً، ومتزناً، يفضي إلى توافقات وطنية قادرة على إخراج البلد من أزماته وتعزيز مساره الديمقراطي.
وتسلّم موسى فال، منسق عام الحوار الوطني في موريتانيا، خلال لقاء جمعه بزعيم مؤسسة المعارضة الديموقراطية التي تضم أحزاب المعارضة الممثلة في البرلمان، وثيقة الرؤية السياسية لأحزاب المعارضة حول مسار الحوار المرتقب، في خطوة تعكس تقدمًا ملموسًا في المشاورات التمهيدية.
وأكد زعيم مؤسسة المعارضة الديمقراطية، حمادي ولد سيدي المختار خلال جلسة تسليم الرؤية المذكورة «أن مؤسسة المعارضة ستكون شريكًا أساسيًا وأصيلًا» في هذا الحوار»، مشددًا على أهمية أن «لا تُقبل في الحوار المنتظر أية هيمنة من أية جهة، وأن يُفتح أمام الجميع لطرح آرائهم بحرية واتزان».
وأضاف «أن الهدف الوحيد لمشاركة المعارضة في الحوار هو الخروج بالبلد من أزماته الاجتماعية والاقتصادية»، داعيًا «إلى حوار لا يُقصي أحدًا ولا يُستثني فيه أي موضوع يهمّ المواطنين».
وأوضح ولد سيدي المختار «أن مؤسسة المعارضة تعتبر قانونيًا ممثلة لكافة أطراف المعارضة»، وأن الحوار سيكون محل انخراط فاعل وقوي من قبلها».
وأشار إلى أن «وحدة موريتانيا مهددة، ما لم يُبادر الجميع إلى حوار صريح وشامل، يضع حلولًا حقيقية للإشكالات الكبرى»، مؤكدًا «أن مؤسسة المعارضة ستدافع عن توافق يؤمّن البلد من البلابل والقلاقل، ويعيد الثقة إلى العملية السياسية».
وتزامنًا مع هذا الموقف السياسي البارز، نظم المركز الموريتاني للبحوث والدراسات الإنسانية «مبدأ» ندوة فكرية تحت عنوان «الحوار الوطني.. الرؤية والرهانات»، شارك فيها عدد من الساسة والمفكرين والبرلمانيين.
وخلال الندوة، عبر نور الدين محمدو رئيس حزب «موريتانيا إلى الأمام» (قيد الترخيص)، عن تشكيكه في دوافع الحوارات السابقة، التي اعتبرها «إما موجهة لتغطية أزمات سياسية أو محكومة بأجندات مُعدّة سلفًا»، مطالبًا «بحوار يؤسس لـ»جمهورية ثالثة»، حسب قوله، يتضح فيها فصل السلطات ويُعاد فيها الاعتبار لدور البرلمان والقضاء والصحافة كمؤسسات مستقلة».
وأعرب رئيس حزب «جبهة المواطنة والعدالة» محمد جميل منصور، «عن أمله في أن يكون الحوار المرتقب مختلفًا عن الحوارات السابقة، مؤكدًا أن الحاجة إليه لا تأتي فقط من وجود أزمة، بل أيضًا من أجل تطوير الديمقراطية وتكريس التعددية، وتحرير الدولة من القبضة الفردية».
وفي مداخلة أخرى، أكدت النائب البرلمانية خديجة وان، «أن الحوار يجب أن يُفهم على أنه علامة نضج سياسي وليس دليل أزمة»، مشيرة إلى «أنه خيار حضاري ونهج تتبناه الأمم المتقدمة»، داعية «إلى مشاركة الجميع في لحظة وصفَتها بـ»المفصلية في تاريخ البلد».
وفي سياق التحضيرات للحوار، قدّمت الشبكة الموريتانية لمراكز الدراسات مقترحًا تأطيريًا متكاملاً للحوار الوطني، تضمن أهدافًا كبرى من بينها: بناء عقد اجتماعي جديد، وترسيخ دولة القانون، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتعزيز التماسك الوطني».
واقترحت الشبكة «أن تُشرف على الحوار هيئة وطنية مستقلة متعددة التخصصات، أو هيئة ثلاثية تضم الفاعلين السياسيين والخبراء، على أن تُوزع مواضيع الحوار على ورشات متخصصة، تشمل قضايا الإصلاح الدستوري، والمنظومة الانتخابية، والحريات، والحوكمة، والعدالة الانتقالية، والهوية، وقضايا العيش المشترك والتنمية الدائمة».
كما دعت الشبكة «إلى إطلاق منصة رقمية تفاعلية لضمان مشاركة المواطن العادي في النقاش، وتأسيس مجلس وطني لمتابعة تنفيذ مخرجات الحوار، مصحوب بأجندة تنفيذ واضحة وتقارير دورية علنية».
وكان الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، أعلن عن إطلاق التحضير لحوار وطني شامل خلال مأدبة إفطار رمضانية نظمها في القصر الرئاسي في آذار/مارس الماضي بحضور قادة أحزاب سياسية ومرشحين رئاسيين سابقين. وفي كلمته بالمناسبة، دعا الغزواني إلى تقديم تصورات وآليات تضمن تحضيرًا محكمًا لحوار يشارك فيه الجميع، ويتيح الحسم النهائي لملفات وطنية جوهرية ما تزال عالقة.
وفي ظل هذه التحركات السياسية والفكرية والمؤسسية، يرى مراقبون أن موريتانيا تقف أمام فرصة حقيقية لإعادة التأسيس الوطني، شرط توفر الإرادة السياسية الصادقة، والابتعاد عن منطق الإقصاء والمحاباة.
وبينما ينتظر الجميع إطلاق جلسات الحوار فعليًا، تبقى التساؤلات قائمة حول مدى جدية الأطراف المختلفة، وقدرتها على التوافق، وإجماعها على مخرجات تنقذ موريتانيا من أزماتها المتعددة، وتعيد الثقة بين الحاكم والمحكوم».
وفيما تواصل الأطراف الفاعلة تقديم رؤاها واقتراحاتها، تتجه الأنظار إلى المرحلة القادمة من الحوار، التي يُتوقع أن ترسم ملامح جديدة لمستقبل النظام السياسي والمؤسسي في موريتانيا.
وفي ظل دعوات متزايدة لإشراك كافة المكونات الوطنية دون إقصاء، تبقى قدرة المسار الحواري على تلبية تطلعات الموريتانيين مرهونة بمدى صدق الإرادة السياسية، ووضوح أهداف الحوار، وجدية التفاعل مع مقترحات التأسيس لدولة تتسع للجميع.